
: من إعداد : يعيش تمام محمد خميستي
تُعد العلاقة بين الرئيس والمرؤوس في بيئة العمل من الركائز الأساسية التي تُبنى عليها جودة الأداء والإنتاجية، ولكن حينما تشوب هذه العلاقة ممارسات سلبية مثل الظلم، الابتزاز، الوشاية، والاستعانة بالجلاوزة والمثبطين، فإن بيئة العمل تتحول من ساحة للإبداع إلى مسرح للمعاناة. تتفاقم الأزمة عندما يُظلم الكفء ويُكافأ المُقصر، مما يهدد كيان المؤسسة ويفقد العامل الصالح الرغبة في العطاء.
فيما يلي نستعرض هذه الظواهر السلبية، ثم نقترح حلولًا قانونية وإدارية واقعية للحد منها.
أولًا: الظلم الوظيفي
الظلم الإداري يتمثل في توزيع غير عادل للمهام، التحيّز في التقييم، حرمان الموظف من الترقية أو المكافأة دون مبرر. وقد يصل الأمر إلى تعمد تهميش الكفاءات بسبب تهديدها الضمني لسلطة الرئيس أو لأنهم ليسوا من “دائرته الخاصة”.
الأثر:
إحباط الكفاءات.
انخفاض ولاء الموظف للمؤسسة.
مغادرة العقول المميزة.
ثانيًا: الابتزاز الإداري
يحدث حين يستخدم الرئيس سلطته للضغط على المرؤوس، سواء بتهديده بالنقل، أو الخصم، أو فصل غير مبرر ما لم يُظهر “الولاء المطلق” أو يقبل التجاوزات.
الأثر :
بيئة خوف وقلق.
انعدام الثقة بين الموظف والمؤسسة.
ثالثًا: الوشاية وتقارير الكيد
بعض الرؤساء يعتمدون على الوشاة وأصحاب النفوس الضعيفة لجمع المعلومات الكيدية حول زملائهم الكفء أو ممن يعارضون الأوامر غير المهنية، وتُرفع تقارير مغلوطة تُؤثر على مستقبل الموظف دون أن يُمنح فرصة للدفاع عن نفسه.
الأثر :
تدهور العلاقة بين الزملاء.
غياب الشفافية.
تصفية حسابات شخصية.
رابعًا : الاستعانة بالجلاوزة والمثبطين
“الجلاوزة” هم أولئك الموظفون الذين يُسخّرهم الرئيس لبسط نفوذه، من خلال الترهيب أو بث الإشاعات أو إحباط من يحاول التميز أو الاعتراض. هم أدوات ضغط لتكريس الطاعة العمياء وإجهاض أي محاولات للإصلاح.
الأثر:
اختناق الإبداع.
تسويق الفشل كأمر طبيعي.
عزل الكفاءات.
خامسًا: ظلم الكفاءات ومعاناة العامل الكفء
العامل الكفء يعاني في ظل هذا المناخ، إذ يجد نفسه مُهمشًا، مُراقبًا، ومُعرضًا للاستهداف من الإدارة أو زملائه المُقربين منها. رغم اجتهاده، لا يجد التقدير، بل يُخشى تفوقه، فيُوضع له العوائق عمداً.
نتيجة ذلك:
يفقد حماسه.
يضطر للهجرة الوظيفية.
أو يتخذ طريق “السلامة” بالصمت والانعزال.
الحلول المقترحة
أولًا: الحلول القانونية
إنشاء جهة رقابة داخلية مستقلة:
o تعنى بالنظر في الشكاوى الإدارية والوظيفية بعيدًا عن التسلسل الهرمي.
o تكون مرتبطة مباشرة بالجهة الأعلى ( الهيئة الأم ).
تفعيل أنظمة الحماية من التعسف:
o مثل قوانين “حماية المبلّغين” و”مكافحة التسلط الإداري”.
o وضع آلية سرية لتقديم الشكاوى دون كشف هوية الموظف.
إلزام الإدارات بكتابة أسباب القرارات الإدارية:
o أي ترقية، نقل، خصم، أو فصل يجب أن يُبرَّر كتابيًا.
o يُعطى الموظف حق الاعتراض وتقديم تظلم رسمي يُنظر فيه بجدّية.
تعزيز دور النقابات واللجان الوظيفية:
o كجهات مستقلة للدفاع عن حقوق الموظفين الكفء.
o لها حق المطالبة بإعادة النظر في التقييمات والترقيات.
ثانيًا: الحلول الإدارية والخاصة
تطبيق معايير موضوعية في التقييم:
o أن يكون التقييم السنوي مبنيًا على مؤشرات أداء واضحة (KPI).
o يُلغى التقييم العشوائي أو الشخصي.
تحديد معايير صارمة لاختيار القيادات:
o اختيار المديرين بناءً على الكفاءة والنزاهة، وليس المحسوبية أو الولاء.
o دورات تأهيل إلزامية في “القيادة الأخلاقية” و”الإدارة بالعدل”.
إدارة التغذية الراجعة (Feedback):
o فتح المجال لتقييم الموظفين لمديريهم بسرية دورية.
o هذه التقييمات يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار في تجديد مناصبهم.
تشجيع ثقافة العمل الجماعي:
o الحد من العمل الفردي المفرط الذي يُستخدم أداةً للإقصاء.
o دعم المشاريع المشتركة التي تُبرز العمل الجماعي وليس الفردي فقط.
تعزيز الشفافية في بيئة العمل:
o مشاركة الخطط الإدارية بشكل واضح مع الفريق.
o إشراك الموظفين في اتخاذ القرارات التي تخصهم.
الخاتمة
إن إصلاح العلاقة بين الرئيس والمرؤوس في بيئة العمل يتطلب توازنًا بين القوة والعدالة. لا يمكن أن تستقيم أي مؤسسة إذا استُخدمت السلطة للتعسف، أو إذا ضُيّعت الكفاءات، أو ساد الخوف بدل الثقة. المسألة ليست مجرد إدارية، بل أخلاقية وقانونية في آن واحد. لا بد من تمكين العامل الكفء، وردع الممارسات السلبية، عبر قوانين صارمة وآليات تطبيق فعّالة، تضمن بيئة عمل منتجة، صحية، وعادلة.